جماعة الجيل الجديد ... تجربة للحرية المطلقة
شهادة : حزين عمر
حيثما اتجه أى أديب فى هذا الزمن ، قد تتعثر قدمه فى ندوة ، أو مؤتمر ، أو تجمع أدبى ... وهذا حسن ... فمنافذ النشر والإعلام تضيق فى وجوه المبدعين حتى الاختناق ... وليس أمامهم إلا هذه التجمعات : يعقدونها بمسميات وبدون مسميات ، بخطط وبرامج وبدون برامج وخطط ... فإذا لم تصقل الوجدان فهى فضفضة عن مكنونات النفوس ، فى زمن القهر وغياب العدالة ، واختفاء فرص العمل والأمل !!
منذ حوالى ربع قرن لم يكن الأمر كذلك : فلا ندوات ولا تجمعات ولا مؤتمرات إلا نادراً ... وإذا وجدت فهى واحدة أو اثنتان أو ثلاث فى طول القاهرة وعرضها ، وإذا وجدت فهى لثلة بعينها قد تتجمع حول أيدولوجيا ما أو يجمعها كبر السن والشيخوخة !! وهذا ما كنا نعانى منه ـ كشباب مبدعين ـ فى ذلك الزمن ... فعلى أحدنا إذا ساقته الجرأة لحضور مثل هذه الندوات أن يعلن ولاءه حتى الموت ـ الإبداعى ـ لمن يقيمونها إذا كانوا أصحاب رؤى فكرية محددة ... وعليه أن يجلس صامتاً ككرسيه الذى يحتويه إذا كان "أصحاب" هذه الندوة من العواجيز ، ويكفيه أن يتلقى رذاذ الإلهام من أفواههم !! وغالباً لم تكن تُصدر هذه الأفواه سوى اللعاب والسطحية والنرجسية !!
فى هذا الجو ـ وتحديداً عام 1987ـ رأيت أن أخرق النواميس ، وأن أتمرد على الشيوخ والعواجيز والثوابت ، فأعقد جلسة حرة مفتوحة "للشباب فقط" وأطلقت عليها إسم (جماعة الجيل الجديد الفكرية) وقد استجاب لرؤيتى هذه حينذاك مجموعة من الشعراء والقُصاص فى مثل سنى أو يزيد بعضهم سناً ، أذكر منهم : د . نجوى عمر أستاذ الأدب بكلية الألسن ـ حالياً طبعاً ـ وشاعر العامية سلامة عيسى والشاعر شرقاوى حافظ ود . إيمان عبد الرشيد ـ الأستاذة بالألسن أيضاً ـ والقاص جمال بركات والقاص محمود رمضان الطهطاوى والقاص الذى توقف عن الإبداع والتهمته الصحافة عمرو أديب بجريدة الأخبار ، واتخذنا من مقهى فينيكس مقراً لندوة أسبوعية كل ثلاثاء ، بدأت ومازالت منتظمة حتى هذه اللحظة ، وإن تغير المكان من هذه المقهى إلى نقابة الصحفيين ، فى مبناها القديم بشارع عبد الخالق ثروت ، ثم انتقلنا معها إلى المبنى المؤقت خلف قسم الأزبكية ثم المبنى الحديث الراهن ...
موجة أخرى من المبدعين انضمت إلينا فى بدء حياتهم الأدبية : بهاء الدين رمضان وعلاء الدين رمضان وعزة بدير وأحمد الجعفرى وأحمد توفيق وطارق عمران وحمدى عبد الرازق ، ثم كانت المصادفة أن يرد إلينا بعض الشباب فى توقيت متزامن ، وبعد سنوات قفزوا إلى صدارة التجديد فى العامية ، ومنهم : طارق هاشم وصادق شرشر وسعدنى السلامونى ... ومنذ حوالى عقد من الزمان انضم إلينا عبد العليم اسماعيل وسادات طه وهالة فهمى ومجدى عبد الرحيم وعبد الناصر العطيفى وعبير فوزى ، وأجيال أخرى ... ولا أقدم الآن إحصاءاً ولا كشفاً تفصيلياً بمن قدمتهم الجيل الجديد لأول مرة فى حياتهم ، كما إننى لا أحب أن ننسب لجماعتنا هذه احتضان بعض الأسماء اللامعة الآن مثل يوسف معاطى ، ولا أن نشير إلى إنصاف بعض القامات العالية التى تآكلت الشهرة من حولها ، بعد سفرهم للخارج ، وما تعرض له بعضهم من حصار سياسى وإعلامى أمثال الرواد د. حسن فتح الباب ود . كمال نشأت وعبد المنعم عواد يوسف ومحمد محمود عبد الرازق ـ رحمه الله !! فهذا دور منطقى وموقف حاسم قررناه واتخذناه لنا سبيلاً منذ جلسات التأسيس الأولى التى أسفرت عن الاتفاق على (مبادىء الجيل الجديد) بعد مناقشات مستفيضة ، وقد أكد بند من بنودها على فكرة التواصل بين الأجيال ، وإنصاف المجيدين من كل هذه الأجيال ... لكن الصدارة فى (مبادىء الجيل الجديد) الإثنى عشر كانت لمبدأ الحرية حين قلنا : (للعقل مطلق الحرية فى التفكير والتعبير ، بدافع الاقتناع فقط) فهنا لا سلطان لأى شىء على العقل وحريته ... وقد استغرقتنا مناقشات هذه المبادى عدة أشهر قبل أن نقرها فى مجالات الفكر والإبداع والسياسة والمجتمع ، وتصبح مادة ثابتة فى سلسلة (كتاب الجيل الجديد) التى صدر منها خمسة عشر عدداً تمثل كل الأجيال من المنتمين لنا ، فى مجالات الشعر والقصة والنقد الأدبى والرواية والمسرح ، منهم : د . حسن فتح الباب ، ود . كمال نشأت ومصطفى عبد الوهاب وأحمد ماضى وراندا طه وهالة فهمى وحفنى مصطفى وعزة عدلى ومدحت قاسم وإيهاب البشبيشى
وإذا كانت لدينا بنية أساسية فكرية ، وموقف سياسى تقدمى يميل يساراً ويرى فى التجربة القومية للزعيم عبد الناصر نموذجاً وطنياً جاداً وجديراً بالتطبيق والاستمرا وربما التقويم أحياناً ـ ولا يغيب الأدب والفن عن سياق الدور الإنسانى والاجتماعى ، فإننا ـ طبقاً لمبدأ الحرية المطلقة ـ نظل نرحب بكل التيارات الفكرية والإبداعية حتى المنختلفة معنا ، فعلينا أن نتيح فرصة الحوار والاختلاف المتحضر للجميع ، ما دام لدينا منفذ للتلاقى ، ووسائل تعبير ونشر فى مواقع شتى : صحفية وإعلامية ... وممارسة حقوق الاختلاف هذه حملت بذرة الاستمرار والتطور لجماعة الجيل الجديد ، وجعلتها أكثر ندوات مصر ـ من وجهة نظرنا ـ حيوية ، وانتشاراً ، حتى لا نكاد نتذكر اسماً من كبار المبدعين والنقاد فى مصر لم يشاركنا هذه الندوة ـ كجزء من أنشطة الجيل الجديد ـ على مدى ما يقرب من ربع قرن ... ولا أعود بالذاكرة بعيداً : فمنذ أسابيع فقط كانت الجيل الجديد تقيم احتفالية لمحمد سلماوى بمناسبة تقاعده من الأهرام ابدو ، تحدث فيها وشارك : د . عماد أبو غازى ود. مصطفى الفقى ، وخيرى شلبى وإبلااهيم عبد المجيد ويوسف الشارونى ويعقوب الشارونى وأحمد طوغان وفهمى الخولى ... وأكثر من ثلثمائة أديب من شتى المشارب والانتماءات .
توزع مؤسسو الجيل الجديد وروادها مابين العمل الأكاديمى كأساتذة فى الكليات المتخصصة : د . سيد قطب ، د . نجوى عمر ، د . عبد المعطى صالح ، د . إيمان عبد الرشيد ، د . ثناء كيلانى ، د . أحمد نبوى ، د . علاء الدين رمضان ... والعمل الصحفى والإعلامى والعمل الثقافى العام ... كما تعددت عطاءاتهم مابين الشعر والقصة والرواية والمسرحية والنقد الأدبى ... وكل مايحمل أفكار الجيل الجديد ومبادئه ويستضىء بها فى أداء مهامه الإبداعية والنقدية والفكرية والأكاديمية ...
لم يغب البعد الإنسانى عن سياق رؤيتنا ... فالأدباء ، وحتى المتأدبون ومحبو الثقافة قبيلة واحدة ، ينبغى أن تتعاضد ، فى مواجهة قبائل الجهل واللصوصية والتخريب ومحو الهوية !! ومن لم نستطع أن نضمه لقبيلتنا مبدعاً أو ناقداً ، ضممناه متذوقاً ، وأبعدناه عن القبائل الأخرى !! وعن هذا المخدر العام المستشرى كالجرب ، واسمه كرة القدم !!